كنيسة أو مسجد أو متحف "آيا صوفيا"... بناء يحمل أسرار 1500 عام، أسراراً عجز العلم عن تفسير الكثير منها حتى الآن، وهذا ما دفع الكثير من علماء تركيا والغرب إلى إجراء أبحاث ورحلات استكشافية بداخله.
ولا زالت الخرافات والروايات التاريخية تردد قصصاً عن أسرار آيا صوفيا، تمكن العلماء من تفسير بعضها ووقفوا حائرين أمام البعض الآخر، وهذا ما دفع الكاتب الأمريكي دان بروان مؤلف رواية "شيفرة دافنشي" إلى تضمين آيا صوفيا في إطار أحداث روايته "الجحيم".
تاريخ البناء
دار الكثير من الجدل حول كيفية وتاريخ بناء آيا صوفيا التي يعتبرها البعض "ثامن عجائب الدنيا"، وأدرجتها منظمة اليونيسكو عام 1985 ضمن قائمتها لمواقع التراث العالمية.
واتفقت الكثير من المصادر التاريخية على أن هذا البناء تم افتتاحه بالشكل الحالي عام 537 بأمر من الإمبراطور "جوستنيان"، أي قبل مولد الرسول محمد بنحو 33 عاماً. وظل هذا البناء كاتدرائية أرثوذكسية لنحو 916 عاماً، إلى أن فتح السلطان العثماني محمد الفاتح إسطنبول عام 1453 وأمر بتحويل الكاتدرائية إلى جامع تقام فيه العبادات.
وبعد نحو 5 قرون من ذلك، قرر مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية تحويله إلى متحف تاريخي اعتباراً من عام 1935، ولم تقم أية شعائر دينية بداخله حتى العام الماضي حين قررت الحكومة التركية عودة رفع الآذان للصلوات الخمس من داخله.
ورغم أن ظهور آيا صوفيا بشكلها الحالي كان عام 537، إلا أن التاريخ الأول لهذا البناء يرجع إلى عام 370 في عهد قسطنطين الأول، وعلى أنقاض البناء القديم شُيّد البناء الحالي.
تدور إحدى الخرافات التاريخية حول البناء الأول، إذ تقول إن "النبي سليمان عليه السلام أمر الإنس والجن والحور بجمع المرمر الملون من جبال الكاف والبلوز لتشييد البناء في عهده" ومن ثم تطور البناء إلى الشكل الحالي.
وتجمع آيا صوفيا التي تعني "الحكمة المقدسة" بين العمارة البيزنطية والعثمانية والزخارف المسيحية والإسلامية، فقد تجد في إحدى القاعات سقفاً يحمل رسوماً لكهنة وقساوسة تحيط به خطوط عربية تحمل آيات قرآنية، وقد تختلط بهما رموز ماسونية في بعض الجداريات.
وكانت الرسومات المسيحية التي طمس الزمن بعضها قد أجريت عليها عمليات ترميم وتجديد في عهد السلطان عبد الحميد الأول، وهي تعود إلى ما قبل تحول الكنيسة إلى جامع، أما الرسومات الماسونية فالمرجح أن عمارياً إيطالياً مشاركاً في عمليات الترميم رسمها قبل نحو 170 سنة.
أسرار ومعتقدات
دراسات وأبحاث ورحلات استكشافية كثيرة لم تُنه الجدل حول الكثير من الأسرار التي تحويها آيا صوفيا، والتي دفعت الإنسان إلى الأساطير والخرافات ليجد فيها ملجأً وملاذاً يرضي فضول عقله.
هل تعرفون أن تحت آيا سوفيا مدينة من الأنفاق تربط إسطنبول بالعديد من الجزر المحيطة؟ أسرار هذا المسجد/الكنيسة
من سفينة نوح، آثار قدم حصان في القبة، ورموز ماسونية.. بعض من القصص والغرائب في مسجد/كنيسة آيا صوفيا
مدينة الأنفاق
مع مطلع القرن العشرين، بدأ العلماء والمختصون بتنظيم رحلات استكشافية وبحثية لبعض الأنفاق والممرات داخل آيا صوفيا، والتي حُفرت أساساتها على عمق 70 متراً، فكانت النتائج تشير إلى اكتشاف مدينة من الأنفاق التي تربط مدينة إسطنبول بالعديد من الجزر الواقعة في بحر إيجه، والتي كانت تستخدم في السابق كممرات لهروب الملوك والأمراء في حال الهجوم على المكان، وكذلك كمكان لحفظ وتخزين الأطعمة وحفظ الكنوز.
وفي عام 1998 بدأ العمل لإعداد أول رحلة استكشافية في باطن آيا صوفيا عبر المستكشف التركي جوكسال جولنصوي برفقة غطاسين وأربعة من المغامرين استمرت أكثر من عشر سنوات. وفي ديسمبر 2009 كانت أول غطسة في أعماق البناء.
توصل الفريق البحثي إلى وجود أنفاق تعود تاريخها لنحو 1700 عام، أي قبل بناء آيا صوفيا، وممرات تربطها بقصر "توبكابي" وقبور وجداريات لبعض الكهنة ومجموعة من الصهاريج، وممرات سرية واسعة تربطها بقصر تكفور وجزر إيجه. وأوضح الفريق أن آيا صوفيا تحوي تحتها مدينة كاملة من الأنفاق والممرات تعد أقدم مدينة في التاريخ بُنيت تحت الأرض.
"عمود التعرق"
توجهوا إلى الباب الأخير من جهة اليسار لمجموعة الأبواب المواجهة للقبلة داخل آيا صوفيا لتجدوا عمود أو سارية التعرق المكون من أحجار المرمر والمغطى المتر الأول منه بطبقة نحاسية. تعود تسميته إلى الرطوبة وقطرات المياه التي تجدها عليه في كافة فصول العام، فعند ملامسته ستشعرون كأن مسام أيديكم تتعرق.
ويحوي عمود التعرق ثقباً صغيراً يتوافد الأشخاص من أنحاء العالم لدس أصابعهم داخله، إذ يُعتقد أنه يشفي كل من يعاني من كثرة الإفرازات والتعرق وآلام الرأس.
وحول سبب تعرق العمود تتداول ثلاثة معتقدات مختلفة، الأول حدوث هزة أرضية شديدة أدت إلى تصدع قبة المبنى، فأحضرت الملائكة ماء زمزم من مكة لترميم هذا العمود، والاعتقاد الثاني هو أن "الخضر" أمر بترميم القبة بخليط من لعاب الرسول محمد مع ماء زمزم، أما الثالث فيتمثل في استناد مريم العذراء على هذا العمود والبكاء عند مشاهدتها تعذيب المسيح. وهذه المعتقدات لا زالت تحتل مكانة كبيرة لدى الكثيرين.
أما عن السبب العلمي لتعرق العمود، فقد طرح البعض تفسيراً غير مكتمل، إذ ذهب العلماء إلى كون العمود يحوي مسام وجزئيات شعرية تفرز الرطوبة من داخله إلى الخارج، ولكن دون توضيح لماذا هذا العمود دون غيره رغم تشابهه في الشكل مع أعمدة أخرى؟
بئر القلب
في وسط القاعة الكبرى بآيا صوفيا، يوجد بئر صغير قطر فوهته 50 سم بعمق 7 أمتار، مياهه ليست عذبة لكنها غنية بالمعادن الطبيعية.
المسلمون في السابق وحتى إغلاق آيا صوفيا وتحويلها إلى متحف، كانوا يؤمنون بأن مياه هذا البئر تُشفي أمراض القلب، فاعتادوا شرب مياهه بعد صلاة الفجر يومياً.
طبياً تم إثبات كونها تحوي أملاحاً معدنية طبيعية مفيدة قد تساعد على الاستشفاء، إلا أن الخبراء يرون أنه لا علاقة طبية بين هذه المياه وتحسن حالة بعض المرضى.
قبر الهدم
لا زال الغموض يحيط بقبر يقع داخل الغرفة التي يواجه بابها الأوسط القبلة، والذي يُعتقد أنه شاهد قبر "الملكة صوفيا"، زوجة الأمبراطور جوستنيان الذي أمر ببناء آيا صوفيا، ويتوسط غرفة تعلوها رسوم للملائكة الأربعة "عزرائيل وإسرافيل وميكائيل وجبريل"، ويرتبط شاهد القبر بمعتقد تاريخي يتمثل في كون أية محاولة لتحريكه ستؤدي إلى تهدم مبنى آيا صوفيا كاملاً.
جواد القبة
قبة "قدم الفيل" المتواجدة في جنوب شرق المبنى والبالغ ارتفاعها ستة أمتار تحوي أثار قدم جواد وهو ما يثير الكثير من الغموض. ولم يتوصل العلماء بعد إلى سبب أو حقيقة علمية، إلا أن المعتقد السائد في تاريخ الدولة العثمانية يذهب إلى أن السلطان محمد الفاتح ربط جواده في سارية هذه القبة، ولسبب ما فزع الجواد وتسبب في أضرار جسيمة بالجدران تاركة هذا الأثر في القبة. وهو تفسير يستبعده العلماء دون تقديم تفسير آخر حتى الآن.
الأبواب السحرية
تحوي آيا صوفيا أبواباً كثيرة تحمل الكثير من الطلاسم والرموز، من أصل 361 باباً. وهنالك معتقد لا يزال منتشراً حتى الآن لدى البعض يفيد بأنه عند حساب عدد الأبواب التي تحمل طلاسم في آيا صوفيا فدائماً سيختلف حسابها عن العدد الواقعي وأن هذا الأمر يرتبط بشيء من السحر.
إلا أن البروفيسور التركي فرحات أسلان في كتابه "أساطير آيا صوفيا" أكد أن هذا الأمر خرافة استمرت حتى نهايات عهد الدولة العثمانية، موضحاً أن عدد الأبواب التي تحمل طلاسم 1011.
كما تحوي آيا صوفيا "الباب المغلق" وهو باب في نهاية ممر ضيق في الجانب الجنوبي من المبنى، يمكن رؤيته ولكن لا يمكن فتحه. والأقوال المأثورة عن الأجداد تحكي أن هذا هو باب هروب بطريرك الروم الأرثوذكس عند دخول الجيش العثماني مدينة قسطنطينية، ومنذ ذلك الحين اُغلق الباب ولا يمكن فتحه وطُمست حدوده داخل الجدار. بينما هنالك معتقد آخر يذهب إلى كون الشيطان مقيد خلف هذا الباب، وذلك بعد دعوة مستجابة من السلطان محمد الفاتح لله عقب أول صلاة جمعة داخل آيا صوفيا بعد تحويلها إلى مسجد.
أما الباب الرئيسي لآيا صوفيا، وكان يُطلق عليه "باب الإمبراطورية"، فهو باب خشبي بارتفاع سبعة أمتار مغطى بطبقة من البرونز ومصنوع من خشب شجر "البلوط". ويقول معتقد شعبي إنه قطعة خشبية من سفينة نوح التي تم العثور عليها فوق إحدى جبال تركيا، ويعتز الشعب التركي بهذا المعتقد ويروج له بكونه نوعاً من التفاخر.
فرسان الهيكل
تحوي "آيا صوفيا" بين جدرانها الكثير من الرموز والرسوم الماسونية السرية، تم اكتشافها حديثاً عبر الباحثين التركيين جوكسال جولنصوي وأرهان آلتوني، صاحبا كتاب "التاريخ السري لآيا صوفيا" والمشاركين في رحلة استكشاف أعماق آيا صوفيا.
ويرجح ألتوني، أن هذه الرموز تم نحتها قبل نحو 170 عاماً، في منطقة "باب الجنة" عبر معماري إيطالي شارك في ترميم المبنى في عهد السلطان عبد الحميد الأول، إذ ترك نقوش ماسونية على جدران أربعة أعمدة، كان من الصعب اكتشافها آنذاك، وتعود إلى منظمة "فرسان الهيكل" الماسونية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق